4- والأخطر من ذلك أن يحابي في زكاته فلا يتحرى المستحق فيها فيبذلها لقريبه غير المستحق لها لينال ثنائهم ورضاهم أو يبذلها في أناس يرجو منهم منفعة ومصلحة والعياذ بالله. أو يكون له دين على فقير فيسقط الزكاة منه فهذا آثم في تصرفه والزكاة لم تسقط عنه وذمته لم تبرأ بذلك.
5- ومن الممارسات الشائعة أن يمن المتصدق على من أعطاه بإظهار المنة عليه كأن يعدد له مواقفه أعطيتك وأعطيتك وهكذا. وسواء كان هذا التصرف منه في مجلس خاص أو عام. وتعظم المنة إذا أشاع ذلك وأخبر الناس بفعله. والمنة تبطل الصدقة لأنه لم يقصد بذلك ثواب الله وإنما الانتصار لنفسه. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [سورة البقرة: 264]. ولقد كثرت المنة في هذا الزمن لضعف الوازع الديني والله المستعان.
6- ومنها أيضا أن يؤذي المنفق الفقير بأي لفظ أو تصرف مما يهين كرامة هذا الانسان الحر الذي قد يكون أكرم عند الله منه وأحسن رجولة منه لكن نزلت به مصائب الزمان وضاقت عليه الأحوال. فيأتي هذا الغني فيهين كرامته ويشعره بالحرج والضيق فيقول له إلى متى تأخذ مني أو آخر مرة أعطيك أو أنت ما تشبع ونحوه أو بالفعل كأن يشير إليه بلسانه أو عينه أو هيئته. فهذا يبطل صدقته أيضا لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [سورة البقرة: 262]. قال ابن زيد: "لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه". أما إذا تباحث معه برفق وأدب ومراعاة لمشاعره في إصلاح حاله وفعل الأنسب له فلا حرج في ذلك لأنه يريد الإصلاح بذلك لا يقصد الإساءة إليه.
7- ومن الممارسات الخاطئة أنه إذا تصدق الغني على إنسان أو أحسن إليه بوجه من الوجوه قصد منه الثناء والمدح والمكافئة وكانت نيته منطوية على هذا المقصد وقلبه متشوف له فإذا جفاه هذا الإنسان أو ابتعد عنه لظرف من الظروف غضب لذلك وعاتبه بشدة وعاداه وعامله معاملة الدائن لغريمه وهذه نية خطيرة وعمل محرم لأن الواجب عليه حينما تصدق أن تكون نيته لله لا يرجوا جزاء ولا شكورا من أحد. قال تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [سورة الإنسان: 9]. قال القرطبي: "ومتى أنفق ليريد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه فهذا لم يرد وجه الله فهذا إذا أخلف ظنه فيه من بإنفاقه وآذى". وكذلك من اشترط من الفقير عند إعطائه الدعاء له فهذا طلب شيئا من المعاوضة ولم يخلص لله والواجب عليه أن يتجرد قصده لله ولا يلتفت قلبه إلى نفع مخلوق وهذا مسلك دقيق قل من يفطن له من المتصدقين.
8- ومن الممارسات المؤلمة في هذا الباب أن تجد المتصدق كثير الإنفاق والعطاء لماله في وجوه الخير في الوقت الذي هو مقصر جدا في الإنفاق على أهل بيته من زوجة وولد في النفقة الواجبة فتجد مسكنهم قديم متهالك وأثاثهم يرثى له وملابسهم رثة فهو بخيل في نفقتهم مقتر عليهم. أو تجد ولده المتزوج الخارج من البيت وظيفته متواضعة وحالته صعبة فلا يقدم له مساعدة على ظروف الحياة الصعبة. أو تجد ابن أخيه وأقاربه الأقربين فقراء وفي شدة عيش وربما سألوا الناس فلا يمد لهم يد المساعدة مع كونه كريما في الإنفاق على الغرباء الأباعد. وهذا من قلة البصيرة وضعف الفقه لروح الشريعة وغلبة العوائد البالية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك» [رواه مسلم].