بقلم طريف سردست
ماذا يوجد في باطن الارض؟
يسود فهم ساذج عن محتويات داخل الارض، البعض يلائمه ان يعتقد ان الارض تنقسم الى طبقات واضحة المعالم وثابتة، مستغلا التقسيمات المجازية التي يقدمها بعض العلماء، عندما يناسبه عددها، ومتناسيا التقسيمات المجازية لبقية العلماء التي لاتتطابق وتمنياته. فهل يمكن حقا تقسيم باطن الارض الى طوابق ثابتة؟ هل لباطن الارض حالة واحدة وثابتة؟ في الحقيقة ان الوقائع المذهلة التي اكتشفت حديثا ادهشت حتى العلماء
المادة المنصهرة تجعل الارض حية وقشرتها متحركة.
يعرف العلماء ان الحرارة والانصهار داخل الارض هو الذي اعطى الحياة للارض من خلال البراكين والاهتزازات الارضية والانشقاقات الارضية في اعماق البحار وأعالي الجبال المكسية بالثلوج. غير انهم الان فقط قد اكتشفوا مالذي يقف وراء هذه الحياة بالضبط.
الفيزيائيين الجيلوجيين الكنديين Alessandro Forte & Jerry X Mitrovica اليساندرو و جيري، ومن خلال القياس بالاهتزاز، وجدوا ان البنية الداخلية للارض بسيطة جدا، بشكل مدهش. حسب ماتوصلوا اليه، يوجد اربع "فقاعات" من المصهورات المنفصلة (لافا بلوب)Lava blobs ، في حالة حركة مستمرة صعودا ونزولا، حسب نظام حراري خاص داخل الارض.
هذه الفقاعات المنصهرة الهائلة موزعة على الجهات الاربعة للارض، انظر الصورة ادناه. وتقع احدهما تحت افريقيا واخرى تحت المحيط الهادي، حيث يتحركوا ببطء الى الاعلى والاسفل تماما كما في لمبة اللافا ادناه.
الحرارة هي التي تقرر شكل حركة الفقاعات الاربعة. اثنتين منهم قرب نواة الارض ممايرفع درجة حرارتهم ويجعلهم اخف، مما يجعلهم يصعدون الى الاعلى، كالبالونات الهوائية. من الجهة الاخرى نجد ان الفقاعتين الاخريين فقدوا الكثير من حرارتهم واصبحوا ابرد بسبب كونهم في الاعلى على تماس مع سطح الارض منذ مليونين سنة، والان هم اثقل نسبيا، مما يجعلهم في طريقهم الى الاسفل الى مركز الارض.
ابعاد الفقاعة تصل الى 3000 كيلومتر عن سطح نواة الارض. وعند ارتفاعها تشكل ضغطا على سطح الارض يؤدي الى حدوث البراكين. حسب توضيح العالمين الكمديين، فأن العلاقة بين هاتين المجموعتين من الفقاعات هي التي تقرر الحياة الجيلوجية للارض. عند صعود الفقاعتين الى الاعلى ييؤثرون على الارض بحيث ان اعماق البحار تتشقق وتتفتح مصدرة البراكين والاهتزازات الارضية. من المحتمل ان هذا ايضا هو سبب تحرك الصفائح القارية، الامر الذي يغير شكل وجه الارض.
الان تقع الفقاعتين الباردتين تحت المحيط الهادئ، في حين الفقاعتين الحارتين تحت جنوب غرب المحيط الهادي وافريقيا. عند هبوط أجزاء الفقاعة الباردة الماس لاعماق المحيط الهادئ تنسل الاجزاء الخارجية الاخرى الاكثر حرارة لتحل مكانها، وبالتالي تشكل حركة في الفقاعة قد تكون سبب تحرك الرصيف الارضي. تحت غرب فقاعات المحيط الهادئ يقع الجزء الابرد من الفقاعة، التي تنتشر من شمال اليابان وحتى اندونيسيا. نفس الظاهرة موجودة في شرق المحيط الهادئ، من امريكا الوسطى وحتى جنوب امريكا.
اللغز الذي قد حل
العلماء الى فترة قريبة لم يكن يستطيعون تفسير اسباب ارتفاع القارة الافريقية وقاع البحر المحيط بها 500 متر اكثر من اللازم. كان العلماء يعتقدون ان هذه المنطقة اكثر سماكة من المناطق المجاورة. الان توضح ان الفقاعة الهائلة تضغط المنطقة الى الاعلى.حسابات الموجات الاهتزازية تشير الى ان قوة الرفع تكفي لرفع المنطقة بالضبط 500 متر.
علماء اخرين يشيرون الى ان الفقاعة الهائلة قبل 45 مليون سنة وصلت الى اثيوبيا وتمددت الى مساحة 500 كيلومتر. هذه الكمية الهائلة من المادة المنصهرة اخرجت الكثير من البراكين، مما يوضح الكم الكبير من الفوهات البركانية المنتشرة على سطح القارة.
الابحاث تشير الى ان الفقاعات ترتفع بسرعة 2سم في السنة، الامر الذي يتناسب مع سرعة هبوط الفقاعات الاخرى.
كيف تنشأ القارات؟
من المعروف ان المحيط الهادئ يتزايد اتساعه بأستمرار بحوالي ثلاث سنتيمترات سنويا. يحدث ذلك بسبب الفقاعة المنصهرة التي ترفع الرصيف الارضي تحت المحيط بأتجاهات مختلفة مما يؤدي الى ظهور البراكين وخروج اللهب المنصر من الفتحات التي تتشكل. هذه المصهورات تتجمد وتتحول الى قشرة ارضية جديدة تسد الثغرات المتشكلة. في منطقة كرينلاند نجد هناك الينابيع الحارة مستمرة. كرينلاند تتحرك باستمرار مبتعدة عن اوروبا، لتصبح القشرة الارضية بينهما رقيقة باستمرار مما يؤدي الى اقتراب حرارة باطن الارض الى التماس مع سطحه ورفع حرارته وانصهار احجار السطح التي تسقط في الشقوق التي تتشكل بفعل تمدد القشرة الارضية الى كلا الجانبين. تزداد الشقوق اتساعا وتشكل بيئة مناسبة لظهور سلسلة من البراكين التي تقوم بمعالجة الشقوق وسدها بالمنصهرات الارضية. عبر بضعة ملايين من السنين تتشكل قارة جديدة في القطب الشمالي، قعره يتألف من المنصهرات المتجمدة القاسية التي تشكل مادة سلسلة الجبال البركانية من اعماق المحيط والى سطحه.
الجبال ليسوا رواسي
قبل حوالي اربعين عاما توصل العلماء الى التوصل الى مفهوم كامل عن اسباب ظهور الجبال. إذ عندها ظهرت نظرية تحرك الارصفة الارضية التي تحمل القارات والتي لايزيد سماكتها في اغلب المواضع عن 10-30 كيلومتر وعددها حوالي 12-15 رصيف، كل منهم في حركة دائمة وبالتالي ينزلجون بهدوء بإتجاه بعضهم البعض او عكس بعضهم البعض او بجانب بعضهم البعض. عند اصطدامهم مع بعضهم البعض تنشأ الجبال بنتيجة إنزلاق احد الارصفة تحت الرصيف الاخر، الامر الذي تشهد عليه التسعمئة هزة ارضية سنويا. إنطلاقا من ان الارصفة تتحرك ببطء شديد (حوالي 3 سم في السنة) فأن تشكل الجبال الى ارتفاعاتها الكاملة وإندثارها بسبب العوامل الطبيعية يتتطلب مئات الاف من السنين. معرفة سرعة ارتفاع الجبال وعوامل التعرية ارتفاع مستوى البحر وبقية العوامل الطبيعية ساعد العلماء على القدرة على حساب الزمن الذي تتطلبه تشكيل الجبال واندثارها.
من الصورة السفلى تظهر المناطق التي تقع على حافة الارصفة الارضية وبالتالي المعرضة للهزات الارضية. كاليفورنيا ايسلند وتركيا من المناطق التي ستتعرض الى هزات عنيفة خلال الخمسين عاما القادمة. المناطق الحمراء والبنية تقع في اكثر المناطق خطورة في حين البيضاء والخضراء في اقلها، إذ انها بعيدة عن حافة الصفائح الارضية.
في خط اصطدام الارصفة الارضية ترتفع القشرة العليا مئات الكيلومترات لتنشأ سلسلة جبلية مختلفة عن السلسلة الجبلية التي تنشأ بفضل البراكين. هذا بالذات يحدث الان في العديد من المناطق مثل غوينا الجديدة (Papua New Guineas HuonIsland) حيث يتحرك رصيف المحيط الهادئ بأتجاه غرب شمال غرب بسرعة تصل الى 7 سنتم سنويا. على شبه الجزيرة لازالت الجبال تتشكل صعودا، حيث امكن للعلماء دراسة النمو بدون التعرض الى مشاكل التآكل وارتفاع المياه وبقية العوامل الطبيعية.
قبل ثلاثة ملايين عام كانت قمة الجبال الحالية تقع في قعر المحيط، عن هذا اخبرنا المتحجرات ذات الاصول البحرية والموجودة في قمة الجبل. خلال سنوات وجودها تحت الماء تشكلت طبقات من المسحاثات البحرية تتكلم عن تاريخ تلك الاعوام وكائناتها. هذه الطبقات ومكوناتها ذات البصمة الخاصة لكل عصر وسرعة ارتفاع الجبل شكلت الاساس التي مكنت Lon Abbott من جامعة كاليفورنيا الامريكية من معرفة التاريخ والعمق الذي ارتفعت منه الجبال الى حوالي 2500 متر فوق سطح البحر.
في الاعلى صورة تجريدية تصور طريقة تشكل الجبال بفضل تصادم الارصفة المحمولة عليها القشرة الارضية
كيف ستكون عليه القارات في المستقبل:
نعرف اليوم كيف كانت عليه القارات وكيف جرت حركتها لتشكل التوزيع القاري الذي نعرفه اليوم. نحن نعرف ان القشرة الارضية تتألف من صفائح متحركة ببطء بالنسبة لبعضها البعض. وهنا صورة توضيحية لمسار القشرة الارضية عبر التاريخ:
من خلال الكميوتر والمعطيات المعروفة تمكن العالم الامريكي Christopher Scotese من جامعة تكساس استقراء آفاق مستقبل الارض وصورتها؟.
صورة من الكمبيوتر لما يمكن ان تصبح عليه القارات الارضية بعد خمسين مليون سنة ، ويلاحظ اختفاء البحر المتوسط وظهور سلسلة جبال عالية مكانه
خلال الخمسين مليون سنة القادمة سيتوسع المحيط الاطلسي ، بأعتبار ان النشاطات البركانية في وسطه تتدفع امريكا عن اسيا واوروبا . في نفس الوقت ستقترب افريقيا من اوروبا وتندمج معها ليتشكل جبال عالية بينهم عوضا عن االبحر المتوسط . وحتى استراليا تتجه الى جنوب شرق اسيا.
بعد خمسين مليون سنة يصبح التوقع غير مستند على قواعد متينة. ولكن على الاغلب ستتصل في النهاية القارات مع بعضها البعض لتشكل من جديد قارة واحدة هائلة. حركة القارات تعادل سرعتها سرعة نمو الاظفر، وبالتالي فأن القارات تتحرك بما يقارب الثلاث سنتيمترات سنويا.
متى سيبرد باطن الارض؟
حرارة الارض تنخفض بإستمرار منذ 4,6 مليار سنة وحتى الان، حيث في البدء كانت الارض بكاملها كرة ملتهبة لفترة قصيرة.
حيب تقدير الجيلوجيين فإن حرارة مركز الارض تقع مابين 3500-6000 درجة حرارة مئوية. هذا يعني ان جزء من الارض لازال سائل او على الاقل طري مما يجعلها في حركة دائمة الامر الذي يظهر بوضوح في حركة القارات انفجار البراكين. مع تزايد برودة الارض ستتوقف حركة القارات والزلازل والبراكين في المستقبل. حسب التقديرات سيكون ذلك بعد خمسة مليارات سنة. بمثل هذا التقدير لن يكون مهما ماذا سيكون عليه حال الارض لانه عندها ستكون الشمس اقوى من الان واقرب لتتحول الى شمس حمراء تقوم بإبتلاع الارض.
هذه الفترة الطويلة التي تتطلبها الارض لتبرد سببه ان الارض تفقد حرارتها ببطء بالذات بسبب قشرة الارض التي تمنحها عزل فعال. على السطح يصلنا من طاقة الشمس 20 الف مرة اكثر من الطاقة التي تصلنا من باطن الارض، وكلما تزايدت برودة الارض كلما اصبحت قشرة الارض اكثر ثخانة وبالتالي اكثر كفاءة.
:(f0):