كَثُرَتْ أَخْطَآئُنَا فَمَتَى نَتَعَلَّمُ مِنْهَــا ؟
نظنُّ خطئاً أنَّنا سنُعيدُ إيقادَ نورِ الشَّمس فوق رؤوسنا المُهانة ، و ذلك دون أن ندوِّي بصوتِ الحقِّ في آذاننا الصمَّاءْ ، لِيحرقَ اعتقاداتنا البلهاء قبلَ أن يُلهِبَ فتيلَ حماسنا و بأسنا ، لكي يكونَ في مقدورِ أيدينا - التي كانتْ مشلولة – أن تمسحَ الترابَ عن أنوفنا المُرغمة .
ما أغبانا إن كنَّا نفكِّر في تقويمِ ما انتَشَرَ فينا سُقمه العُضال بدونِ التَّشخيصِ الكاملِ و المبكِّرِ له . وحتَّى إصلاحُ النَّوايا البالية و الضمائرِ المُباعة يتطلبُ ذلك و أكثر . ثمَّ تأتي بعد مرحلة الكشفِ و التَّعرف مرحلةٌ أخرى هي الأصعبُ و الأجدى و تتمثَّلُ في علاجِ مركز و أساس البلاء بأنجعِ الدَّواء ، فكل جُهدٍ يُبذلُ في غيرِ مكانهِ يضيعُ هباءً و بغيرِ فائدة و لا تغرَّنا أعراضُ الوباءِ المظهريَّة بقدرِ حقيقتهِ الجوهريَّة .
فما أعظم البلوى حينَ نكونُ نحنُ من سبَّبها لأنفسنا المسكينة ، أنفسنا التي لم تعد تُطيقُ حمل نفسها .
ندَّعي أمام الملأِ – ذلك الجَمْعُ الذي لم يجتمع أبداً إلاَّ في مخيِّلاتِنا - أنَّنا سنفعلُ المستحيلَ لكي ننهضَ ببقايا هياكِلِنا العظمِيَّة و نلُمَّ ما رَكَدَ من مبادءِ الأجدادِ فنجعلهُ تِرْياقاً لِسُمِّ الأفكارِ المُستوردةِ المُنحطَّة .
و لكنَّ الواقِعَ الأمرَّ غيرُ متطابِقٍ مع ما نُمنِّي بهِ أجيالَنا . أجيالُنا الذينَ كانوا ينتظرونَ مِنَّا أن نُعطيهم المِشعَلَ الذي أخذناهُ عن أسلافِنا ، و لكنَّ ذلكَ السِّراجَ أطفأناهُ بما أحدثناهُ من تغييرٍ و تبديلْ و تحريفٍ و ت***لْ و جلبٍ لأشياءٍ أذهبتْ نورهُ و قوَّضت منارهُ و هَتَكت سِتارهُ ، ظنًّا مِنَّا – و لطالما أخطأت ظُنوننا – بأنَّ كُلَّ الذي ذكرناهُ و ما لم نذكرهُ سيسيرُ بنا نحوَ الأفضلِ في المُستقبلْ .
و لو نظرنا إلى حقيقةِ تِلكَ المُحدثاتِ و المَجلوباتِ ببصيرتنا المنوَّرةِ بنورِ هديِ سَلَفِنا الصَّالِحِ كِتاباً و سُنَّةً ، لوَعَيْنا كُنْهَها و لما غرَّنا بَهْرَجُها و لتعامَلنا معها تعامُلَ الألبابْ و انتقينا مِن اجتِهادِ الأغرابِ ما يكونُ بهِ صلاحُ ديننا و دُنيانا فنحنُ لسنا بأغنياءَ عنْ علومهمْ و أفكارهمْ ، لكن بشرطِ أن يتوافقَ كلُّ ذلكَ مع رضى الله لكيْ يرضى عنَّا و يُسدِّدَ خُطانا و يُصلِحَ أحوالنا و يُباركَ في أجيالِنا القادمة نفعاً و إصلاحاَ كما باركَ في السَّابقينَ الصَّالحينْ .
دمتم برعاية الله
منقول بتصرف