شاع في العصر القديم قصيدة متهافتة المبنى والمعنى ، منسوبة للأصمعي ، صنعت لها قصة أكثر تهافتاً ، وخلاصة تلك القصة أن أبا جعفر المنصور كان يحفظ الشعر من مرة واحدة ، وله مملوك يحفظه من مرتين ، وجارية تحفظه من ثلاث مرات ، فكان إذا جاء شاعر بقصيدة يمدحه بها ، حفظها ولو كانت ألف بيت (؟!!) ثم يقول له :إن القصيدة ليست لك ، وهاك اسمعها مني ، ثم ينشدها كاملة ، ثم يردف : وهذا المملوك يحفظها أيضاً – وقد سمعها المملوك مرتين ، مرة من الشاعر ومرة من الخليفة – فينشدها ، ثم يقول الخليفة : وهذه الجارية تحفظها كذلك – وقد سمعتها الجارية ثلاث مرات- فتنشدها ، فيخرج الشاعر مكذباً متهماً .بعد ان كان يطمح في الحصول على جائزة مالية لأن الملك كان قد وعد من يضع قصيدة جديدة بأن يعطيه وزنها ذهبا
قال الراوي : وكان الأصمعي من جلسائه وندمائه ، فعرف حيلة الخليفة ، فعمد إلى نظم أبيات صعبة ، ثم دخل على الخليفة وقد غيّر هيئته في صفة أعرابي غريب ملثّم لم يبِنْ منه سوى عينيه (!!) فأنشده :
صـوتُ صَفــيرُ البـُلبـُلِ = هَيـّـجَ قلــــبي الثّمِـــــلِ
المــاءُ والزهــرُ معـا = مع زهـرِ لحـظِ المُقَــلِ
وأنتَ يا سيــــدَ لــي = وسيـــدي ومـــــولى لي
فكـــم فكـــم تـَيّمُ لـي = . غُزيـّــلٍ عَقَيّـــــــقَلــــي
قطفتـهُ مـن وجنــةٍ = مـن لثـمِ وردِ الخجـــــلِ
فقـــال : لا لا .. لا لا لا = وقـد غــدا مُهــــرولِ
والخُـوذُ مالــت طربــاً = من فعــلِ هذاَ الرَجُـــلِ
فولولــت وولولـت = فلــي ولــي ، يـا ويــلا لي
فقلــتُ : لا تولــولي = وبيّني اللــــؤلــــؤ لـــــي
قالت له حينــا كــذا = انهـض وجِــد بالنُّقَـــــلِ
وفتيةٍ سقــوا نـَني = قهــوةٌ كالعســـــلَ لــــــي
شَممّـتُهـا بـأنـَفي = أزكــى مـن القَـرنفـــــــلِ
في وسطِ بستـانٍ حِلي = بالزهـرِ والسرور لي
و العـود دن دن دنا لي = والطبـل طب طبَ لـي
طب طَبِطَب،طب طَبِطَب= طب طَبِطَب،طب طابَ لي
والسقف قـد سق سق لي = والرقـصُ قد طابَ إلي
شـوى شتوى وشاهِ شو = على ورق سُفرجَـلِ
وغـــردَ الغمـِر يصيـح =ملَــلٍ فـــي ملَـــــــــــلِ
ولـو ترانـي راكــبٍ = علـى حمـــارٍ أهـــــزَلِ
يمشـــي علـى ثلاثــةٍ = كمشيــة العرَنجـِــــــلي
والنـاس ترجـم جَمَــلِ = فـي الســوقِ بالقُـلقُـلَلِ
والكــلُ كعـكع كَعـي كــع = خَلفـي ومـن حُويلَلي
لَكـن مشيـتُ هاربـــاً = مـن خَشيـت العَقَنقَــــلي
إلـى لقـــــــــــــــاءِ مـلـكٍ = مُعظــمٍ مُبجَــــــــــلِ
يأمـرُ لــي بخلعــةٍ =حمـــــراءُ كالـدم دَمَلــــــي
أجــرُ فيهــــــــا ماشيـــــاً = مُبَغـدِداً للذِيـَّـــــــــلِ
أنـا الأديب الألمعــي = مـن حـي أرض الموصــلِ
نظِمـتُ قِطعــاً زُخرِفَت = تُعجــِزُ الأدبُ لـــــــي
أقــول في مَطلعِهـــا = صــــــوتُ صَفـــيرُ البُـلبُـلِ
ولم يستطع الخليفة والمملوك والجارية أن يحفظوها، فقال الخليفة للأصمعي : يا أخا
العرب ، هات ما كتبتها فيه نعطك وزنه ذهباً، فأخرج قطعة رخام وقال : إني
لم أجد ورقاً أكتبها فيه ، فكتبتها على هذا العمود من الرخام ، فلم يسع
الخليفة إلا أن أعطاه وزنه ذهباً
و عندما سأله من انت قال ألم أقل اني الألمعي فإن غيرت الام صادا فأنا الأصمعي من الموصل
والأمير الذي أشرت إليه فهو الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور